الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "الدم عمرو ما يشيح" لألفة لملوم: شهادات وتساؤلات عن معركة بنزرت المنسية (من 19 الى 22 جويلية 1961)

نشر في  02 نوفمبر 2024  (09:57)

سلّط فيلم "الدم عمرو ما يشيح" لألفة لملوم والذي تم عرضه من قبل المفكرة القانونية بقاعة سينما "الريو" تزامنا مع الذكرى 61 لعيد الجلاء، سلّط الضوء على معركة بنزرت التي يعود تاريخها لسنة 1961، وقد طمس التاريخ الرسمي أحداثها مقابل احتفاء تونس سنويا بعيد الجلاء في 15 اكتوبر نسبة لـ15 أكتوبر 1963 تاريخ جلاء آخر جندي فرنسي من التراب التونسي.
وقد اختارت المخرجة أن تسترجع هذه الصفحة المنسية من التاريخ التونسي من خلال شهادات قدّمها شاهدين على معركة بنزرت التي دامت أربعة ايام (من 19 الى 22 جويلية 1961) وهما المناضل محمد صالح فليس والعقيد طارق دربال ومن خلال محاولة لاعادة تملك الفضاء الجغرافي الذي جرت فيه أحداث المعركة. اذ توقفت كاميرا المخرجة في الشوارع التي شهدت ارتقاء مئات من التونسيين راحوا ضحيّة عمليات قنص من قبل الجنود الفرنسيين الذين كانوا متخفين أعلى عدد من البنايات وأيضا عمليات قصف عدد من الطائرات لأحياء من بنزرت بمادة النابالم الحارقة.
 وفي هذا السياق ذكر المناضل محمد صالح فليس أنّه كان شاهدا -وكانت سنه آنذاك 14 سنة- على مئات الجثث التي تراكمت في زقاق منوبية المؤدي لنهج الشيخ ادريس مشيرا الى ضرورة اعادة كتابة التاريخ اذ تمت عمليه دمج للأحداث بين ما حدث سنة 1961 وتاريخ الجلاء في 1963 ومتسائلا لماذا لا توجد لوحة تذكارية لشهداء معركة جويلية 1961 والذين يناهز عددهم 5000 تونسي وفق تقديره.
واعتبرت ألفة لملوم في النقاش الذي تلا عرض الفيلم انّ ضحايا العنف الاستعماري لا وجه لهم ولا اسماء كذلك اذ لا معطيات متوفرة حول ضحايا معركة بنزرت التي طُمست معالمها ويرى فيها البعض جريمة دولة بعد أن تم الدفع بعديد المواطنين المدنيين والمتطوعين والحرس للالتحاق ببنزرت في معركة غير متساوية القوى بالمرة. وتطرقت لملوم لمسألة الارشيف التونسي قائلة انّه كان بودّها استعمال وثائق تونسية بينما توجد اغلب الصور التي وثقت للمعركة لدى الارشيف الحربي الفرنسي وكذلك لدى وكالة اسوسياتد براس واسعارها خيالية مضيفة انه ليس بامكاننا اليوم كتابة التاريخ بأدواتنا المحضة فكيف لنا أن نعيد تملّك تاريخنا اذا ما افتقدنا للوسائل الضرورية لهكذا عودة على التاريخ وعلى النضال من أجل الاستقلال.
وقال محمد صالح فليس "يومين قبل الحرب لم نكن لنصدق انّ هناك حربا، وتمثل الاشكال في مباغتة الجيش الفرنسي للمتظاهرين عندما اطلق عليهم النار عندما ارادوا النفاذ الى الثكنة المركزية للقاعدة الفرنسية، لم يصدق اي منهم ما حدث، وقد تسببت هذه الهجمة في حالة من الفوضى، أصيب شقيقي وحملناه مع مجموعة من الجرحى الى مستشفيات العاصمة". واشار فليس الى مسؤولية الدولة قائلا: "مشكلتنا اليوم هي مسألة اعادة كتابه التاريخ، فالسلطة تتملص من احداث جويلية 1961 لانّ ذلك يضعها محل نقد ومحاسبة من قبل الشعب التونسي. وهكذا تم نسيان معركة بنزرت واعتقد انّها معركة الالاف من التونسيين من المتطوعين والحرس والشرطة ولا فقط متساكني بنزرت الذين كانوا يعتقدون انهم سيحررون بلا سلاح بنزرت، ولا اعتقد انّ الرئيس بورقيبه كان أبله لدرجة انه كان يتصور انه بقليل من الشوشرة وبمجرد اطلاق النار على طائرة انّ فرنسا ستتخلى على بنزرت، ونحن اليوم متأكدون انّ السلطة السياسية نست معركه بنزرت ونست الضحايا والمصابين وقالت ان المهم هو 15 اكتوبر 1963 وحده".
ومن خلال استعراض تفاصيل ومحطات من معركة بنزرت، يدفعنا فيلم "الدم عمرو ما يشيح" الى التفكير  في ثلاث مسائل شائكة اولها مسألة طمس الذاكرة الوطنية، فلأسباب سياسية واضحة تم تغييب معركة بنزرت بتفاصيلها ليبقى تاريخ 15 اكتوبر 1963 طاغيا وحده لما في فظاعة ما حصل من مسؤولية سياسية، وثانيها مسألة ارشيفنا الوطني الذي يتواجد جانب منه لدى اطراف اجنبية سوى ارشيف بلدان اخرى او لدى وكالات صحافة عالمية بما يجعل استغلال هذه الوثائق وتوظيفها للعودة لهذا الحدث التاريخي او ذاك صعبة، وحتى بالنسبة للارشيف الموجود لدى التلفزة الوطنية فيشتكي عديد المخرجين ممن يريدون الولوج اليه من ارتفاع كلفة استغلاله، وثالثها مسألة حقيقة عدد ضحايا معركة بنزرت الذين فقدت أرواحهم خلال المعركة، فلئن اختلفت التقييمات بين من يدعي انّ عدد الضحايا لم يتجاوز الـ200 شخص ومن يذهب الى أنّ عددهم بالآلاف (5000 ضحية)، ينبغي العمل على كشف العدد الحقيقي للضحايا واعادة الاعتبار لهذه المعركة الفارقة ولضحاياها، وابسط هذه الاشياء معلم يخلد ذكراهم بالاسماء او من غير اسماء، فقد راحوا فداء للوطن.
 
شيراز بن مراد